تصل معدلات الأداء في احدث سيارة رياضية كوبيه ينتجها القسم الرياضي في شركة بي إم دبليو تحت اسم "إم 3" (M3)، الى آفاق غير معهودة في هذا القطاع، تزيد في هذا الجيل الرابع عن ضعف ما كانت عليه في الجيل الأول منذ عشرين عاما. فالمحرك في رابع واحدث جيل من "إم 3" تصل قدرته إلى نحو 420 حصانا، ويتكون من ثماني اسطوانات، بينما كان محرك الجيل الأول من أربع اسطوانات وقدرته اقل من مائتي حصان.
هذه القدرات، التي يضاف إليها عزم دوران لا يقل عن 400 نيوتن متر، تدخل على جسم مدمج منخفض الارتفاع عن سطح الأرض. وهو أيضا جسم خفيف به مكونات من ألياف الكربون والألومنيوم.. والنتيجة سيارة تحقق انطلاقا إلى سرعة مائة كيلومتر في الساعة في 4.8 ثانية.
وفيما يقول مهندسو الشركة إن هذا هو ما يريده سائق هذه الفئة من السيارات، يحيط الشك بالدافع الحقيقي لسباق القوة الذي تنافس فيه الشركة بإصرار، فسيارة بي إم دبليو الكوبيه في الفئة الثالثة الرياضية، افتتحت منذ جيلها الاول قطاع الانجاز الاسطوري الذي لم تكن تطاله سيارة اخرى في هذا القطاع، لكن سرعان ما دخلت الشركات الألمانية الأخرى على الخط لكي تزاحم هذه الفئة في مواصفاتها وتزايد عليها، فكانت فئة "آر إس 4" من أودي، و"سي كلاس إيه إم جي" من مرسيدس بنز، أول من ادخل محركات بثماني اسطوانات في هذه الفئة، فلم تجد بي إم دبليو خيارا سوى السعي لاستعادة الأولوية بمحرك بثماني اسطوانات، رغم ان محركها السداسي الاسطوانات ،على خط مستقيم يسمي (Straight Six)، كان من افضل المحركات آنذاك وحائز على جوائز انجاز خلال سبع سنوات.
لكن المحرك السداسي لم يعد كافيا لهذا السباق على الانجاز الذي تخوضه الشركات الالمانية في غفلة من معسكر الحفاظ على البيئة، فوقع الخيار على محرك بثماني اسطوانات على شكل V سريع الدوران، ومدمج الحجم ويقل في الوزن عن المحرك السداسي السابق. وهو يماثل أربعة أخماس المحرك الأكبر بعشر اسطوانات، الذي سيستخدم في طراز "إم 5"، والمصمم على نموذج دخلت به الشركة بطولة العالم في سباق فورومولا ـ 1 مع فريق ويليامز قبل عدة سنوات. وحددت الشركة السرعة القصوى للسيارة في حدود 250 كيلومترا في الساعة.
وتهدف بي إم دبليو بهذا الانجاز إلى التأكيد لمنافسيها أن الفئة الثالثة تستعيد زمام سباق القوة، وأنها لن تتخلى عن هذه المقدمة في المستقبل. لكنها وإن كانت نجحت في هذا الاختبار الذي يخوضه المهندسون ضد بعضهم بعضا، فإنها تقدم للمشتري في هذا القطاع سيارة تتعامل مع الطريق مثل الحصان الجامح الذي يتفجر بالطاقة ويحتاج لمن يطوعه ليلتزم بمسار الطريق. وهكذا، كان الاختبار مكثفا من الإعلام المتخصص من كل أنحاء العالم، واختارت له الشركة ماربيا في الجنوب الاسباني نقطة انطلاق من فندق مواز لمسجد الملك عبد العزيز الذي يعتبر من المعالم المعمارية البارزة في الجنوب الاسباني. وحتى تعفي الشركة نفسها من مشاجرات الإعلام ونزاعات بعض شخصياته في تقدير قيمتها الذاتية، قررت ان تكون كل السيارات بلون واحد هو الاحمر وبناقل واحد هو اليدوي. ونجحت الحيلة في تحويل مشهد نزاع صباحي معهود قبل بدء التجربة الى موقف متحضر تسلم فيه كل صحافي مفاتيح سيارته الحمراء في صمت، سواء أعجبه اللون او لا.
ولم تكتف الشركة بتجربة اليوم الواحد كما هو معهود، لكنها قدمت السيارة للتجربة على مدى يومين، انتهيا بثماني دورات على مضمار سباق اسمه "اسكاري" حتى يمكن اختبار السرعة بلا عواقب قانونية. واختبر كل صحافي "إم 3" وفقا لقدراته المتواضعة التي تقل كثيرا عن قدرات السيارة نفسها. وبعد يومين من القيادة السريعة على مختلف الطرق المتعرجة الجبلية والريفية والسريعة، زادت القناعة ان الحياة بمثل هذه السيارة سوف تكون صعبة على مالكها. فهي توفر له قدرات فائقة من الصعب عليه مقاومتها، وهي في الوقت نفسه تغريه باختبار قدراته كسائق محترف. كما أنها تمنحه الكثير من الثقة بأن اخطر المنحنيات يمكن قطعها بسرعة البرق مع التصاق السيارة بسطح الطريق والحفاظ على توازنها واتجاهها الصحيح بفضل العديد من التجهيزات الالكترونية وانظمة الاستقرار. لكن كل هذه المغريات تحتاج الى سائق محترف وقوي الإرادة كي لا يتخطى حدود قدراته، فيفقد توازنه ويفقد السيطرة عليها كما حدث مع اثنين من الصحافيين (واحد من آسيا وآخر من أوروبا) على المضمار أثناء الاختبارات الصحافية قبل أيام.
والمشتري الذي تتوجه إليه الشركة بهذه السيارة يمكن ان يكون سائقا محترفا يريد "إم 3" في استخدامه اليومي ثم يتوجه بها إلى المضمار في نهاية الأسبوع لكي ينطلق بها عدة دورات ويقيس زمن الانطلاق بالثانية في محاولاته لتحسين الانجاز. لكن مشتري الفئة الثالثة العادي عليه الاحتراس في قيادة هذه السيارة لانها قد تخدعه بمظهرها الذي لم يتغير كثيرا عن شكل الفئة العادية.
اللمسات التي تشير الى امكانات "إم 3" تشمل علامة (M3) على الجانبين وسقفا مصنوعا من خيوط الكربون واربعة انابيب عادم خلفية ومرايا جانبية مفرغة عند قواعدها للمساعدة على مرور الهواء خلالها وتخفيض المقاومة. كما انها تعتمد على اطارات عريضة وتميل الى الانخفاض قليلا مع بصمة ارضية اعرض من الفئة الثالثة العادية. وفي الداخل تظهر ايضا علامة (M3) على لوحة القيادة ويكتشف السائق ان بإمكانه ضبط جوانب المقاعد لكي تضغط على جانبيه بحيث لا يتحرك على المنحنيات بفعل رد فعل الجاذبية.
وتدخل اعتبارات الامان في صميم اهتمامات الشركة من حيث كافة التجهيزات المعتادة من وسائد هوائية امامية وجانبية وانظمة حفاظ على الاستقرار، ومكابح فعالة تستطيع ان توقف انطلاق السيارة من سرعة مائة كيلومتر الى الثبات في مسافة 34 مترا فقط، وفي زمن لا يزيد على نصف زمن انطلاق السيارة من الثبات الى سرعة مائة كيلومتر في الساعة. كما انها جيدة في زوايا الرؤية ويجد السائق كافة ادوات القيادة ومؤشراتها في مواقعها المعتادة بأسلوب منطقي.
لكنها تتقهقر على صعيد المحافظة البيئية، فاستهلاكها من الوقود يتخطى العشرين ميلا للغالون الواحد. ولكن اسلوب القيادة اثناء الاختبارات الصحافية استهلك معدلات أعلى لا تزيد على 13.9 ميل للغالون، مما يجعل مداها بخزان الوقود لا يزيد على 150 ميلا. ويرتبط المحرك، وهو بحجم اربعة لترات، بالعجلات الخلفية عبر ناقل يدوي بست سرعات. وهو يوفر عزم دوران لا يقل عن 400 نيوتن متر تتوفر على معظم دورات المحرك. وتتأكد امكانات السيارة في الانطلاق المتعرج وعلى المنحنيات التي تتألق خلالها في تخطي غيرها على الطريق. ويختار السائق بين برامج قيادة تتيح له قدرا من الراحة او الانطلاق الرياضي عبر تشديد نظام التعليق.
وسوف تظهر "إم 3" للعرض العام للمرة الأولى في معرض فرانكفورت الذي يقام في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، وتصل الى اسواق العالم تباعا بعد ذلك. وبالطبع لن تكتفي الشركة باللون الاحمر، إنما ستوفر لها ثمانية ألوان منها اربعة ألوان جديدة. وهي تصلح لك اذا كنت مقتنعا فعلا بأنك سائق متألق تريد سيارة تفوق قدراتك ولا تحد منها. لكن مهما كانت قدراتك، فالنصيحة التي يجب ان تسمعها جيدا قبل شراء "إم 3" هي: احترس!.
* مدير مشروع «إم 3» لـ«الشرق الأوسط» : رفعنا قدرة السيارة لأن «جمهورها يريد ذلك»!
* قال توماس بول، مدير مشروع "إم 3"، الذي اشرف على كافة مراحل إنتاج هذه السيارة، إن المشروع بدأ في عام 2004 وقرر فيه القسم الرياضي تغيير 80 في المائة من مكونات الفئة الثالثة الكوبيه العادية، بما في ذلك نظام التعليق الأمامي والخلفي. واضاف ان الشركة لم تحدد بعد حجم الانتاج في هذه الفئة ولم تقرر عما اذا كانت سوف تنتج نسخة مكشوفة "كابيورليه".
ولدى سؤاله عن حكمة الاستغناء عن افضل محرك في العالم بست اسطوانات لمجرد دخول منافسة على القوة، بمحرك اكبر قدرة، قال إن "إم 3" لم تكن دائما بست اسطوانات، وان جيلها الاول كان بأربع اسطوانات. وقررت الشركة الاستعانة بالمحرك سريع الدوران (تصل سرعة دورانه الى 8400 دورة في الدقيقة) بحجم ثماني اسطوانات (V8)، لأنه يوفر المزيد من القدرة في حجم مدمج ووزن اخف من المحرك سداسي الاسطوانات. واضاف ان جمهور مشجعي هذه السيارة يطلب المزيد من القوة ولا بد من الاستجابة له.
ولدى مواجهته بأن السيارة ذات الدفع الخلفي تعطي الانطباع بأنها غير مرتبطة عضويا بالأرض، وانها خفيفة التشبث عند المنحنيات على سرعات عالية، قال إن السبب في ذلك ربما كان نظم التحكم التي تستعيد السيطرة على السيارة في المواقف الحرجة وتسحب عزم الدوران من السائق حفاظا على سلامته، مما يمنح الانطباع ان درجة التشبث اقل مما هي في الواقع.